Blog

نساء بلا هوية

لماذا يُعدّ ذكر اسم المرأة عارا في المجتمع؟!

الريف/فوزي المنتصر
لم تكن حفصة صلاح (25 عاما) تُدرك فداحة الأثر السلبي على نفسية المرأة اليمنية، حين يقوم الذكور بإخفاء أسماء قريباتهم الإناث في المواقف الحياتية المختلفة، وذلك قبل مرورها بموقف صادم في مكان عملها بإحدى مستشفيات العاصمة صنعاء، حين أصرّ رجل على تسجيل زوجته بكُنية لا تمثلها، بينما هي كانت تُلّح هي على ضرورة أن تُسجّل باسمها، وهو ما رفضه الزوج الذي اعتبر ذلك عَيبا، وأمضى رأيه بتسجيلها بـ”أم محمد”، من دون أن يكون لها ابنٌ أساسا، فارضا تلك الصيغة بفجاجة جرحت مشاعر زوجته “فتحية صالح”. أثار ذلك الأمر حفيظة الطفلة رنا (8 أعوام) التي قَدِمت مع والديها، لتحتجّ على الكنية التي عُرفت بها والدتها “أم محمد”، بالقول: “لا، هي أمّ رنا” في إصرار بريء جسد اعتزازا طفوليا بهويتها كأنثى.
في ذلك المشهد، جسدت الطفلة رنا بشعورها الفطري واعتزازها باسمها دورا نضاليا للمرأة لا يُسمح بمثله للنساء الكبيرات اللائي حُصرت هويتهن في نظرة اجتماعية لدى الذكور، الذين لا يزالون يعدّون ذكر اسم المرأة عيبا جالبا للعار، ولا يكُفّون عن تقديم قريباتهم بُكنًى فضفاضة من قبيل “أم محمد”، وأحيانا يكتفون باستخدام الإحالات الضمنية للحديث عنهن، مثل “الكريمة” إشارة للأخت، أو “الحَجَّة” إشارة للزوجة.

 

        استلاب هوياتي
كُنًى وصفاتٌ كثيرة باتت تتوارى خلفها هوية المرأة اليمنية بغير حول لها ولا قوة، ويحدث ذلك بشكل تفرضه السلطة الذكورية في المجتمع تحت ذريعة التمسك بالعادات والتقاليد، ولدواع أخرى منها شعور الناس بالخجل من ذكر قريباتهم بأسمائهن، فيفضلون التحفظ واستخدام توريات مختلفة.
إيمان حسن (27 عاما) شابة متزوجة، تقول إنها تتمنّى أن يناديها أقاربها باسمها الفعلي، فذلك يشعرها بالفخر والاعتزاز بذاتها، مشيرة إلى أن ذلك نادر الحدوث إلى حد أن مناداتها باسمها بات يفاجئها لفرط ندرته.
تضيف إيمان: “نادرًا جدًا ما يحدث أن أحدا من أهلي، بمن فيهم زوجي، وحتى أفراد المجتمع، يناديني أو يشير إليّ علنا باسمي”، مؤكّدة أن مناداتها باسمها الفعلي يشعرها بالثقة والأهمية والفخر بصفتها إنسانا كامل الحقوق، لكنها تقول إن أقاربها اعتادوا على نعتها بأوصاف لا ترغب بها، وهي تشعر أنها مجبرة على قبول ذلك، فهناك من يناديها بـ”يا بنت”، وهناك من يشير إلى اسمها بـ”البيت”، وهناك من يناديها بأصوات تمويهية كـ”ييييه”.
فالأنثى، بحسب قولها، تُعدّ تابعة للأسرة أو لأحد الأقارب الذكور ولا هوية مستقلة لها، فقبل الزواج تنعت بـ”بنت فلان”، وبعد الزواج بـ”زوجة فلان”، وبعد الإنجاب بـ”أم فلان”، وهكذا تغيب هويتها الفعلية في أتون أعراف جائرة.
أكثر ما يزعج إيمان نعتها بصفات من قبيل “حُرمة”، “مَكْلَف”، وترى ذلك مهينا بالنسبة لها ويشعرها بانخفاض التقدير، خصوصا إن وردت على لسان زوجها وشريك حياتها الذي من المفترض، على حدّ تعبيرها، أن يدعوها بأحب الأسماء إليها أو على الأقل باسمها الطبيعي الذي يُعدّ حقا من حقوقها.
تعزو الباحثة الاجتماعية، أروى القُدَيمي، أسباب الظاهرة إلى ثقافة الخجل والتكتّم على البوح باسم المرأة لدى المجتمع اليمني، وذلك أمر تكمن خلفه معتقدات خاطئة لا يزال الناس متمسكين بها، على الرغم من أننا بتنا في القرن الواحد والعشرين، فالمرأة إنسان مستقل لها حقوق وواجبات كما الرجل، ولها حضورها الفعلي أيضا، وتشير إلى أن غمطها من أبسط حقوقها “الاسم” أمر كارثي ومؤسف، ولا يمكن تلافيه إلا بهدم العادات الخاطئة، والعمل على خلق حالة من الرفض النسوي لكل الألقاب والصفات التي توجه إليهن.
أبعاد الظاهرة
لا تستثني تلك العادات الخاطئة مناسبات الأفراح؛ إذ غالبًا ما يُشار في بطاقة دعوة العروس التي يقصد بها مشاركتها فرحتها في أهم حدث قد يكون في حياتها على نحو يلغي هويتها، وتُستخدم صفات من قبيل “تدعوكم حَرَم فلان، أو كريمة الأخ فلان”، من دون الإشارة إلى اسم العروس بتاتا، اعتقادا بأنه من الشرف عدم ذكر اسم العروس على بطاقة الدعوى والاكتفاء بكلمة “كريمة” أو “حَرَم”.
تُشير القديمي إلى أن الفتاة اليمنية تظنّ أن فكرة الزواج الذي يعتبره المجتمع شرفا وخير عمل تقوم به الأسرة، قد يحرّرها من القيود المفروضة عليها وهي عازبة، لكنها سرعان ما تشعر بخيبة أمل وإحباط، فما إن يتم زفافها الذي يجري فيه تنكير هويتها في بطاقة دعوة زفافها بقرار ذكوري.
على أن لذلك تبعات نفسية على العروس، يمتدّ أثره إلى أبعد من مجرد إنكار هويتها في بطاقة دعوة الفرح الذي يتم وفق الإرادة الذكورية غالبا، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على حياتها النفسية مستقبلا، وفق خبيرة الإرشاد الاجتماعي والأسرى سارة علوي.
تشدد علوي على ضرورة إكرام المرأة بذكر اسمها، شأنها في ذلك شأن الرجل، مستنكرة فكرة إخفاء اسم العروس في بطاقة الدعوة، متسائلة: أليس من السنة النبوية إشهار الزواج؟ وما الفائدة من إشهار هذا الزواج من دون معرفة اسم العروس؟ وتضيف: “إذا كنا نخجل من ذكر اسم العروس في دعوات الفرح، فلماذا ندعو الناس للمشاركة في الاحتفال أصلا؟!”. وتنهي حديثها بالقول: “أسماؤنا هي نحن في فرح أو حزن، فلا تُغير أو تُختزل في ألقاب ونعوت توحي بأن المرأة عورة يجب إخفاؤها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى